نحن نمارس العطاء المجتمعي

نحن نمارس العطاء المجتمعي

Dalia Newsletter Header Image

   

تموز-آب 2018

19-09-2018

عرب الجهّالين هي فلسطين وفلسطين هي عرب الجهالين -بقلم كريس عقل


عدت لأول مرة إلى فلسطين في عام 2014، حيث عملت في مخيم صيفي تعليمي محلي في رام الله. لدي خبرة عمل في المدارس مدتها عشر سنوات، وعائلتي في الأصل من رام الله، لذلك في صيف عام 2014، ومن خلال عدسة أحد المعلمين في أمريكا بدأت أن استكشف جذوري الفلسطينية. واعتقدت لفترة طويلة أن التواصل مع جذوري: فلسطين، كان فقط عبر بقائي في مدينة رام الله.

ولكن اكتشفت جذوري أكثر حين عدت لأعيش هنا العام الماضي، وبالأخص خلال لقائي لنساء عرب الجهالين، أدركت أن التواصل مع الناس المترابطين ارتباطًا وثيقًا بالأرض، كان السبيل الوحيد لاستكشاف جذوري من خلال التجربة الملموسة واليومية والصادمة للنكبة المستمرة الذي يعيشونه إخوتي وأخواتي في فلسطين اليوم.

من جهة واحدة يقطن سكان مجتمع عرب الجهالين البدوي في ظلال مكب نفايات كبير بالقرب من مركز المدينة في العيزرية، ومحجوباً من قبل جدار الفصل، ومحاطاً بمنطقة القدس الشرقية التي تتوزع على التلال المحيطة، إلى المدينة القديمة، ومن الجهة الثانية منطقة مضاءة بشكل واضح، وبصورة شبه مكبرة، وبانوراما لأراضيهم الأصلية، التي لا يستطيعون العودة إليها، حيث يحتلها اليوم ثالث أكبر مستوطنة في الضواحي في الضفة الغربية: مستوطنة معاليه أدوميم. إن المفارقة القاسية في تاريخ عرب الجهالين الحديث تلعب دوراً في الشاشة المنقسمة: الرمال والحطام المنحدر من قريتهم البدوية التقليدية التي تتلاشى باستمرار، بينما يتسرب "رذاذ" المستعمرات بعنف على وطنهم الذي لا يمكن الوصول إليه، والذي يقع على بعد مسافة قصيرة. في وضوح النهار، يمكنك شم رائحة الكلور من برك السباحة في المستوطنة والذي يتدفق على رائحة مكب النفايات.

وباعتباري عضواً من الشتات الأمريكي الفلسطيني، كان من الصعب على أن أربط هذه الكارثة البطيئة على الفور بفرحة وحيوية نساء عرب الجهالين، اللواتي كن يشربن القهوة الصباحية ويأكلن وجباتهن المسائية وراء هذه الخلفية. بالنسبة لي –أميركي فلسطيني محمي من هذا العالم -كان الأمر مزعجًا. بالنسبة لهن، كان شيء "عادي" –فالالتزامات مع عائلتهم وأطفالهن ومنازلهن طالبت منهن بأن تستمر الحياة.

يقمن نساء عرب الجهالين، واللواتي أسسن مركز المرأة، بإبراز الصمود، الإنسانية والفرح التي أصبحت تُعرّف النضال الفلسطيني. في هذا المركز، حيث تعلمنا اللغات خلال أشهر الصيف، يقع على مسافة بعيدة من مركز التجمع السكني، فهو قريب من المدرسة والجامع والمركز المجتمعي، على تلة شديدة الانحدار وكأنها تعكس صمود هذا المجتمع. هذا الموقع مع نساء عرب الجهالين يُعد مركز وانبثاق الحياة في التجمع.

جئت لعرب الجهالين لتدريس اللغة الإنجليزية كمتطوع مع مؤسسة دالية المجتمعية. خلال دروسنا في اللغة الإنجليزية، استخدمنا مهاراتنا اللغوية الناشئة (لغتهم الإنجليزية الواضحة -وبصراحة –لغتي العربية المحدودة) من أجل المزاح حول العمل، والحديث عن أحلام السفر المستقبلية، ولماذا لم يتزوج أي من هؤلاء الأجانب الزائرين بعد؟ تحدثنا عن شغفهم، والذي يرتكز في الغالب على العمل الاجتماعي والتنظيم المجتمعي.  ولم أستطع إلا أن ألاحظ الفرق الصارخ بين الأكثر تعلماً وتبنيهم أسلوب حياة للقيام بمجتمعهم المحلي، بينما زملائي في الجامعة اختاروا مسار للعمل في مجال الأعمال، القانون الدولي أو العلاقات العامة، تلك المسارات التي ينبض فيها النجاح المالي، ولكنها جزء من نظام القمع الذي في النهاية تعايش أثره نساء عرب الجهالين كل يوم. كنا نأكل ونضحك يومياً، وأحيانًا نغني (أغاني جون ليجند من يوتيوب).

كما شاركن معي قصصهن الشخصية عن الإبعاد القسري والتضحيات اليومية. في أحد الأيام، انضمت إلينا امرأة كبيرة في السن – ولها أثرها وعزتها بين أفراد المجتمع -من أجل غداء المقلوبة والاحتفال. من خلال أغاني شعبية بدوية تقليدية، غنت لنا عن طفولتها وهي ترعى الأغنام فوق التلال لعدة أيام. تذكرت أيام رعايتها باعتزاز، ولكن انتقلت هذه الذكريات إلى النضال الأولية لها: كأم مراهقة، كانت تحمي أطفالها المولودين حديثًا من انتهاكات الجيش الإسرائيلي أثناء الإخلاء القسري، وفي نفس الوقت تعلمت الازدهار كرأس أسرة في عالم لا يُقدّر فيه قوتها ومهاراتها كامرأة. وبعد ذلك، ومع علبة شوكولاطة "علي بابا" المصنوعة محلياً، واصلنا الحديث عن أبيها آنذاك، والعنزة التي تأكل الجوارب.

نساء عرب الجهالين استراتيجيات وخبيرات في استخدام المصادر. فهن يعرفن ما يحتاجه الناس، ويعرفن كيف يستخدمن نفس الأداة لاستيعاب الحاجات المجتمعية المختلفة.  فعلى سبيل المثال، يقدم المركز مجموعة متنوعة من الخدمات المتنوعة: مكان للتنظيم وتوفير وجبات الغداء، ومن ثم مكان لتبادل التقاليد الثقافية البدوية مع الأجانب الزائرين، ومكان لتعليم أطفالهن، ومكان راحة ضرورية من شمس الصيف أو رياح الشتاء. وهن أيضاً ممتلئات بحس الضيافة، فقد كانت مهاراتي اللغوية بلا حيلة تُقابل دائمًا بابتسامات، وكن دائماً يقولون لي أن “لغتك العربية جيد جدًا". وفي كل يوم، وبغض النظر عن صراعاتهم اليومية، كن دائما مستعدات ومنفعلات.

كما ظهر الأطفال بنفس الطريقة الفضولية. في نهاية دروسنا، كانت هناك دائماً مجموعة من 3-10 طلبة يتجمعون خارج الباب، متسائلين من هو الذي يقول كل هذه النكات السخيفة. فوجئت بمهاراتهم الإنجليزية المتقدمة. ومع ذلك، ولأن تجاربنا في التعليم مختلفة، فأنا تعلمت تحت إطار النظام التعليمي التقليدي الذي يقتصر على التعلم في الصف، أما هم فتعليمهم كان مدموجا مع البيئة المحيطة، لذلك، كنت أستصعب بالأول في تقديم الدروس، وبعد فترة بدأت بالتخلي عن النظام التعليمي التقليدي، وإيجاد طرق تعليمية خلّاقة مستندة على روحهم الجميلة وبيئتهم المذهلة والتي كانت في غاية الأهمية لديهم.

إن الالتقاء بأهل عرب الجهالين وتعلم اللغة معهم والاستماع إلى قصصهم، كان حتى الآن، أكثر خبراتي تأثيراً في فلسطين. وبينما أستمر في استكشاف هويتي الفلسطينية، تقف نساء عرب الجهالين كأداة لُحام قوية تربط تراثًا رعوياً، مع تطورات المدن. فحيوية مجتمع عرب الجهالين بمثابة بوصلة للمقاومة، وذكرياتهم تُذكرنا بأصولنا.

فعرب الجهّالين هي فلسطين وفلسطين هي عرب الجهالين.

البرامج والصناديق المجتمعية

تدريبات مع صناديق النساء

واصلنا تدريبات التفكير الخلاق والعمل الجماعي مع الفنانة رهام إسحاق، وصناديق النساء في سلفيت، رام الله، وأريحا. وسيمكن هذا التدريب لاحقاً النساء من التعاون من أجل الوصول إلى حلول ومبادرات لاحتياجاتهن وأولوياتهن المتغيرة باستمرار.

كما أننا نظمنا زيارة ميدانية لصناديق النساء الخمسة: طولكرم، أريحا، جنين، رام الله، سلفيت، وزرنا الاتحاد النسائي بيت لحم، وتعرفنا على نطاق عملهن، وتعاونهن مع سنبلة لتسويق منتجات التطريز لديهم. كما زرنا الاتحاد النسائي بيت ساحور، وتعرفنا على نشاطهن الانتاجي مع ذوي الإعاقة والنساء والأطفال. كما تناولنا الطعام اللذيذ من مطبخهن وتعرفنا على تعاونهن مع مسار إبراهيم عن طريق بيت الضيافة الخاص بهم.



وقمنا بتنظيم لقاء مع المديرة التنفيذية لشركة رتاج للحلول الإدارية، نسرين مصلح، وأعضاء من صناديق النساء، ونساء شابات من برنامج إبدأ الشبابي، وتعاونيات نسائية أخرى تقوم دالية بالتشبيك معهن. وقامت بالحديث عن خبرتها كامرأة ريادية، ووفرت النصائح من أجل تأسيس شركات ناشئة بنجاح.

حشد المرح والعطاء لصندوق التعليم

كما يعلم أغلبكم، نحن في دالية نؤمن بأهمية دور العطاء المجتمعي في تحقيق التنمية الصامدة، وأن هذا العطاء يتنوع من عطاء مادي أو غير مادي. ونؤمن أنه عندما نمارس العطاء المجتمعي علينا أن نمرح، لأنه في النهاية ستتوزع علينا فوائد هذا العطاء كمجتمع بأكمله. خلال شهر تموز وآب قمنا بأنشطة لحشد التبرعات والعطاء المجتمعي عبر القيام بأنشطة مرحة وذلك من أجل صندوق التعليم بالشراكة مع الفلسطينية لإسناد الطلبة. قمنا بإنشاء محطة الابتسام: مبادرة متنقلة للرسم على وجوه الأطفال (والكبار) من أجل حشد التبرعات.


بالإضافة إلى ذلك، قامت عضو مجلس الإدارة، حكمت بسيسو، بالقيام بنشاط بنفسها: خربشات على الورق، لأنها هي أيضاً تؤمن بأهمية العطاء المجتمعي في تحقيق التنمية الصامدة، وحق الشعب الفلسطيني في تحقيق أولوياته.

لذلك، نود أن نشكر جميع من قام بتلك الأنشطة، والمتطوعين والمتبرعين من كل الأعمار، ونشكركم لإيمانكم برؤيتنا.

دالية مع المخيمات الصيفية

في كل صيف تنظم مدرسة الفرندز رام الله مخيم صيفي للشتات الفلسطيني تحت اسم Go Palestine. تعاونّا معهم لتنظيم يوم تطوعي في مزرعة أم سليمان في بلعين، وهي مزرعة تستخدم أسلوب الزراعة المدعوم من المجتمع.


بالإضافة إلى ذلك، تقدم المدرسة منذ عام 2011 برامج صيفية للغة الإنجليزية وتحضير لامتحان SAT، وفي نفس الوقت تستثمر بشكل خاص في تعزيز وعي الطلاب والطالبات الناقد، لذلك، قدمنا للمشاركين ومدرسيهم محاضرة حول أهمية المنح بقيادة المجتمع، والعمل الذي نقوم به في دالية.


برنامج الشتات والأصدقاء المتضامنين

لأول مرة، تم تنفيذ برنامج الشتات والأصدقاء المتضامنين بالشراكة مع To Be There من أول تموز إلى العاشر من تموز. خلال هذه الأيام العشرة، تعرف المشاركون على الواقع السياسي في فلسطين المحتلة، كما أنهم تطوعوا في العديد من المجتمعات المحلية. أدناه مقالات من بعض المشاركين للبرامج.

ماجدة بيسارد-بلجيكا

بفضل صديق فلسطيني يعيش في بلجيكا، تعرفت على مؤسسة دالية المجتمعية، وبرنامج الشتات والأصدقاء المتضامنين. لطالما حلمت بزيارة فلسطين. أعلم أن تلك الرغبة تبدو غريبة بعض الشيء، فمن يرغب بزيارة بلاد محتلة؟ ولكن، لقد بدا الوقت مناسبًا للقيام بالزيارة فقررت أن أسجل في البرنامج.  

السفر مع مؤسسة دالية يتضمن لقاءات دولية، وهذه ميزة حقيقية بحد ذاتها. فأنت لا تغادر بلدك مع مجموعة متجانسة من المواطنين، فيمكنك لقاء الكثير من الناس من جميع أنحاء العالم. من الجميل أن توسع آفاقك مع الآراء والتعرف على أشخاص آخرين يأتون من جميع أنحاء العالم؛ فرنسا، النرويج، الولايات المتحدة الأمريكية، إنجلترا، تونس، مصر، إلخ.

كونه لدي العديد من الأصدقاء الفلسطينيين في بلجيكا، وكوني أؤمن وأناصر للقضية الفلسطينية، أتيت بمعلومات خلفية في هذه الزيارة، ولكن اكتشفت أنني لم أعرف الكثير، فأضاف لدي كل من بهاء وياسر من To Be There كمية كبيرة من المعلومات والحقائق والشهادات الدقيقة. كونهم محليون، فهم يعيشون الحياة اليومية تحت الاحتلال. لقد أُذهلت بكفاءتهم المهنية ومهاراتهم التنظيمية ومعرفتهم الواسعة. كما أنهم قاموا بتدليلنا عندما زرنا أشهى المطاعم لمعرفة مذاق المطبخ الفلسطيني.

التقينا بالعديد من الأشخاص الملهمين من جميع أنواع المؤسسات المحلية، والذين خصصوا حياتهم ليس فقط من أجل الصراع من أجل القضية الفلسطينية، بل أيضا الدعوة ورفع التوعية للعديد من الحالات التي يواجها المجتمع المحلي بشكل يومي. من المذهل فعلاً أن الشعب الفلسطيني لا يزال ابتكارياً، وخلّاقاً وصامداً في وجه كل ذلك.

كانت التجربة حلوة المرة، فرؤية الوضع غير الإنساني وسماع جميع القصص المؤثرة، يتركك في حالة صدمة. إنها فعلاً حقيقة قاسية. ومع ذلك، كانت رحلة رائعة مع العديد من الزيارات وتذوق الطعام اللذيذ، وأنشطة مليئة الضحك والدموع. الشعب الفلسطيني مضياف ودافئ جدا. يظلون أقوياء ومتفائلون. أظل أفكر في الأغنية الفلسطينية "أنا دمي فلسطيني"، لأولئك الذين لا يعرفونها، يمكنكم العثور عليها على يوتيوب. ليس لدي دم فلسطيني، لكن زيارتك لفلسطين سوف تغيرك كشخص وسوف تدخل بالتأكيد إلى مجرى دمك. سوف أعود بالتأكيد للمشاركة في البرامج الأخرى!

من المتطوعين المتدربين في دالية

جيسيكا سيلفاني (في الوسط) - متدربة في قسم الاتصالات في دالية

لا أصدق أنه مر شهر على مغادرتي لفلسطين وعودتي لإيطاليا.

في الصيف، تطوعت لمدة شهر في مؤسسة دالية المجتمعية، وحتى الآن، من الجدير بالذكر أنها كانت من أجمل وأروع الخبرات في حياتي، مليئة بالمعلومات الكثيفة.

استقبلتني مؤسسة دالية وفريقها، بحماس وضيافة فلسطينية نموذجية، والتي فاجأتني في البداية، ولكن بعد فترة وجيزة، أصبحت معدية.

سنحت لي الفرصة بالتطوع في أنشطة مختلفة مثل حشد التبرعات لصندوق التعليم عبر فعالية الرسم على الوجوه والتي تُعرف بمحطة الابتسام، وكذلك تطوعت في مبادرة دكّان لبيع الأغراض المستعملة. لكنني تمنيت لو استطعت القيام بالمزيد من أجل فلسطين.  

قبل مجيئي لرام الله، لم أكن أعلم ما أتوقعه.

للأسف، في العالم الخارجي، لا يتم عكس صورة الحياة اليومية الفلسطينية، لذلك، سأعمل بكامل جهدي بأن أدافع عن القضية الفلسطينية وأنا في الخارج. لأنه في فلسطين وجدت عالم متجانس، يؤمن بالتماسك، والالتزام الاجتماعي، والعطاء المجتمعي. تلك الكلمات التي لم يكن لدي فهم عنها، أما الآن فأنا أؤمن بها. وفي فلسطين وجدت أكثر الصداقات إخلاصاً.

لذلك، شكراً لك يا فلسطين، وبالتحديد، شكرا لك مؤسسة دالية وفريقها بكل ما علمتموني إياه، وآمل أن أعود إلى البلاد لالتقاط ما تركته من قلبي في فلسطين.  

آود (هدى) جريجوار (الأولي من اليمين) - متدربة في قسم البرا