أحلام بلا حدود

أحلام بلا حدود

بينما كنت في طريقي لتناول الغداء، مَر بجانبي فتى لم يتجاوز السادس عشر من عمره، كان يبدو عليه علامات التعب والحاجة.همس بكلمات بسيطة لم أعرها انتباها في المرة الأولى وما لبث أن دخل المكان الذي دخلت فيه، وتكلم مع صاحب المطعم. أثار ذلك الفتى فضولي وأحببت ان أعرف سر ذلك الفتى. فسألته عن حاجته، فقال لي: أريد أن أشتري عربة صغيرة كي أذهب بها الى الحسبة وأعمل بها. ذكرني ذلك الفتى بالعديد من أولئلك الفتية الذين يقفون على أطراف الحسبة في رام الله وربما في أماكن أخرى عارضين خدماتهم للمتسوقين مقابل مبلغ من المال. بالرغم من أنهم ما زالوا في مقتبل العمر وبالرغم من ان القوانين تحرم عملهم في بعض الأماكن كأفراد لم يتجاوزوا السن القانوني الا ان الحاجة أكبر من القدرة الجسمية أو القوانين الوضعية. سألته: وكم تكلفة تلك العربة ؟ فأجابني: 60 شيكلا.

ستون شيكلا لعربة فتى صغير ينقل الخضار للزبائن يستطيع من خلالها توفير حاجات أساسية له أو لعائلة لا يدري أحد مدى الضيق الذي تعيشه.

زادت هذه الفكرة من قناعتي بالمبادرة التي عملنا عليها من خلال " صندوق الزاوية للعطاء المجتمعي" . فعلى تلك الهاوية، كانت الزاوية ، بلدة فلسطينية محاذية للخط الأخضر فقدت كما فقد العديد من البلدات مصادر دخلها داخل الخط الاخضر بعد أن أقفل الجدار مصادر رزق أبنائها في تلك البقعة من الأرض.

بدأت القصة عندما بادرت إحدى المؤسسات بدعوتنا لإنشاء صندوق خاص للبلدة يعمل الجميع من خلاله على جمع التبرعات وتنظيمها في البلدة. وبدأت المؤسسة بدعم الصندوق بمبلغ 2500 دولار تصبح قابلة للتصرف في حال استطاع أبناء البلدة مضاعفة هذا المبلغ من خلال تبرعات المجتمع المحلي. وبالفعل ، قامت اللجنة المشرفة على الصندوق بالاتصال بأخوة ما تأخروا يوما عن دعم حاجات مجتمعهم المحلي، فتم جمع المبلغ المطلوب الذي تم من خلاله تكريس فكرة الصندوق على أرض الواقع وجعل منها فكرة قابلة للتنفيذ.

كثيرة هي الأفكار التي طرحت لكي يتم من خلالها صرف المبلغ المخصص في الصندوق، لكن الإجماع للجنة الصندوق التي تشكلت من مجموعه من الشباب المتطوعين في البلدة خرجت بفكرة القروض الصغيرة التي يمكن من خلالها تنفيذ مشاريع صغيرة يستطيع من خلالها اوناساً  تغطية حاجات رئيسية لعائلاتهم أو لأنفسهم.

1300 شيقل يتم تسديد 100 شيقل منها شهريا والمساهمة ب 300 شيكل من قبل المستفيد، كان هذا القرض الذي تم منحه لاثني عشر شابا وشابة، ورجل وامرأة، عاطل جلهم عن العمل ويقتلهم مرور الوقت في ظل ظروف معيشية صعبة. العديد من الأفكار التي وردت من قبل هؤلاء المنتفعين، بدأ من ماكنة خياطة وماكنة بوشار وبؤرة لمشتل زراعي وبقالة صغيرة وعنزة  وزراعة أرض بالبذور وانتهاء بمركز للخدمات. وهكذا تنوعت الأفكار بتنوع الحاجات.

استلم المستفيدون الدعم اللازم للقيام بتحقيق أفكارهم على الأرض والتزموا من خلال عقود بين الطرفين على العمل على تحقيق هذه الافكار وتطويرها. لقد فتح "صندوق الزاوية للعطاء المجتمعي" الباب لفئة مهمشة من المجتمع المحلي على تحقيق أحلامهم الصغيرة التي ربما تكبر في يوم وتكبر بها بلدتهم ويكبر بها الوطن.

 

"صندوق الزاوية للعطاء ألمجتمعي" كان إستمرارا لمجموعه من المبادرات المجتمعية التي سعى إليها القائمين على الصندوق منها:  "يدا بيد" مبادرة إنسانية تهدف الى الوصول لأصحاب الإحتياجات الخاصة والمرضى وتقديم المساعدات اللازمة لهم. انطلقت مبادرة "يدا بيد" بتوفير مجموعة من المعدات الطبية اللازمة للمعاقين من أسِرة وفرشات هوائية وعكازات وكراسي متحركة ومجموعة من المعدات الطبية الاخرى التي يتم توفيرها للمحتاجين في البلدة والبلدات المجاورة  وتطورت بتوظيف عاملة تأهيل لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ومسح حالات الاعاقة وتقييم الاحتياجات وتوفير ما أمكن لهذه الفئة المحرومة والمهمشه والمتألمه من المجتمع.

 

 

" أحباب ألخير" ايضا مبادرة مجتمعية تكافلية بين القادر والضعيف والغني والفقير ومن يملك ومن لا يملك. هدفت المبادرة الى تبادل الالبسة والأثاث والأجهزة الكهربائية المستخدمة والتي لا يستخدمها أصحابها وبين فئة أخرى تحتاجها لسد عوزها. لقد استطاعات مبادرة " أحباب الخير" وبحمد الله أن توفر مجموعه كبيرة من الألبسة الجديدة ليتم تقديمها الى العائلات المحتاجة وأطفالهم خلال عيد الفطر السعيد وذلك من خلال تبرع أصحاب المحلات بهذه الملابس لصالح المبادرة. واليوم تقف هذه المبادرة "يد بيد" مع مبادرة مجتمعية أخرى تحت عنوان " العيش الكريم" هادفة الى رفع المعاناة عن أسرة تعيش في مسكن غير إنساني وفي ظروف صحية صعبة. فهذا صاحب ورشة المنيوم تبرع باعادة تركيب نوافذ جيدة بدل تلك المهترئة وهذا صحاب محل لتوريد بلاط إستعد ببلاط لأرضية باطونية متعرجة وهذا صاحب مصنع باطون استعد للتبرع بباطون لصب السقف المتهالك وهذا عامل وهذا وهذا ......... وهكذا يتكامل عطاء المجتمع بين من يملكون ومن يملكون وبين من لا يملكون ولا يقدرون.

 


حيث كان لأدوات التكنولوجيا والإبداع باستخدامها الجيد لهؤلاء المبادرين الذين عملوا على إنشاء موقع على الفيس بوك بإسم "الزاوية بيتنا" بيت الزاوية ، حاولوا من خلاله تفعيل دور الشريحة المثقفة في المجتمع المحلي وتعزيز ألأواصر الاجتماعية في داخل البلدة الواحدة إضافة الى ربط الداخل بالخارج وزيادة التشبيك بين المؤسسات والفاعلين في المجتمع المحلي لصالح تطوير المجتمع المحلي. ولقد أثمرت هذه المبادرة عن جسم قوي يرفد المؤسسات العاملة بالافكار ويطور العمل المجتمعي ويدعمه الى جانب كونه لوبي ضغط لصالح قضايا المجتمع المحلي وهمومه.