السيادة الغذائية الوطنية ودورنا في تحقيقها

السيادة الغذائية الوطنية ودورنا في تحقيقها

بقلم  لينا إسماعيل- مسؤولة برنامج مجتمعية.

 

قد يبدو مصطلح السيادة الغذائية الوطنية حالما عند سماعه لأول مرة، ولا يتماشى مع إمكانيات شعب يرزح تحت الاستعمار، ليس لديه أدنى مقومات السيادة على أرضه وحدوده.

 

ولكن ماذا لو نظرنا إليه كنهج تنموي تحرري يحفظ مقومات العيش بكرامة، بدءا من السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في عملية إنتاج الغذاء بالاعتماد على المدخلات الطبيعية المحلية والخبرات المتوارثة عبر أجيال؟ 

في ظل التدهور المستمر في القطاع الزراعي والعاملين فيه، والذي لا يمكن تجاهل عوامله المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالرغم من استمرار التمويل الخارجي (وإن قلّ عن السنوات السابقة) للمشاريع الزراعية الكبيرة المعتمدة على أحدث تقنيات الزراعة، ألا يمكن لنا أن نتوقف قليلا ونعيد النظر في توجهنا الزراعي الحالي؟ لماذا لا نجرب نهجا زراعيا تنمويا نظيفا غير مكلف وقابل للتطبيق والتكرار، ولا يعتمد على مدخلات خارجية؟

 

وما دورنا كشعب ومجتمع مدني وقطاع حكومي وخاص في تحقيقه؟ ماذا لو بدأنا بحدائقنا وحواكيرنا ومزارعنا في القرى والمدن والمخيمات؟ ماذا لو استخدمنا بقايا الأطعمة والمخلفات النباتية والحيوانية المتوفرة بكثرة في إغناء التربة وأوقفنا الاعتماد على الأسمدة الكيماوية المستوردة؟ ما الذي يمنعنا من حفظ البذور البلدية وإكثارها من موسم لموسم؟ وتبادلها؟

 

ماذا لو كانت جميع مؤسسات المجتمع المدني العاملة في القطاع التنموي، ترتكز على هذا المفهوم في رؤيتها التنموية ومشاريعها "التمكينية" و"الريادية" بدلا من استهلاك الأموال الطائلة في استجلاب التقنيات والتكنولوجيا الزراعية التي تعتمد مدخلاتها على الخارج من علم وتقنيات وبذور وكيماويات؟ والتي بدورها تؤدي في نهاية المطاف إلى فقدان المعرفة الزراعية التقليدية المتوارثة عبر أجيال، وانسلاخنا عن الأرض والهوية بتسليعها واختزال قيمتها إلى المادية المجردة، وفقدان المخزون الجيني للبذور البلدية الملائمة مناخيا لمنطقتنا والمميزة في الطعم والفائدة الغذائية.

 

كلها أسئلة نقوم في مؤسسة دالية بطرحها وبحثها وتجربتها، من منطلق إيماننا بحق الشعب الفسطيني بالقرار في عملية التنمية وإعادة الثقة بمواردنا المحلية، حيث تناولنا مفهوم السيادة الغذائية وارتكازه الأساسي على الموارد المحلية وتسخيرها في عملية الزراعة والإنتاج وتوفير فرص عمل للنساء والشباب على وجه الخصوص واستعادة قيم التعاونية والتشاركية في القرار. بدأنا عام 2018 بمجاورة "دور العطاء المجتمعي في تحقيق السيادة الغذائية" والتي خرجت بتوصيات ترحات عملية حول أهمية الحاضنة المجتمعية والإنتاج المعرفي والوعي الجمعي بالإضافة إلى دور القطاع الحكومي في دعم توجه المزارعين والمجتمع نحو السيادة الغذائية وما يتطلبه ذلك.

 

وبناءا على التوصيات، تم استكمال سلسلة المجاورات عام 2020 لتطوير ورقة موقف حول "السيادة الغذائية الوطنية الفلسطينية"، ودراسة سوف يتم إطلاقها عام 2021 حول "السيادة الغذائية الوطنية الفلسطينية في ظل السياق الاستعماري" والتي هدفت إلى تحديد أولويات العمل على تحقيق السيادة الغذائية الوطنية في ظل المعطيات الموجودة على الصعيد السياسي – الاقتصادي – الاجتماعي الفلسطيني،  من خلال جلسات حوارية مع عدة جهات فاعلة في المجال، من متخصصين وأكاديميين، ومؤسسات زراعية وتنموية مختلفة، وقادة مجتمعيين، ومزارعين، وناشطين، بالإضافة إلى اتحادات زراعية ومجالس قروية، لجمع الآراء والتوجهات المشتركة في الموضوع وعرضها على صانعي القرار، ومناقشة إمكانية تبنيها في السياسات والاستراتيجيات التنموية.

 

 كما تم إعداد دراسة "واقع المزارعين في المناطق الحدودية في قطاع غزة من منظور السيادة الغذائية" والتي استعرضت واقع المزارعين والتحديات المتعلقة بالزراعة والحلول المرتكزة على الموارد المحلية ضمن منهجية مناطقية تتناول معطيات كل منطقة وخصوصيتها.

سيتم البناء على الدراسات وتوصياتها في تطوير برامجنا ونشاطاتها في موضوع السيادة الغذائية على عدة مستويات، تشمل العمل القاعدي وبناء نماذج على الأرض، بالإضافة إلى العمل البحثي، وأيضا على مستوى السياسات وصانعي القرار.

 

نعمل في مؤسسة دالية أيضا على تبني نهج الزراعة البيئية كأساس لتحقيق السيادة الغذائية من خلال المجاورات والتدريبات التي يتم تقديمها في برامجنا المجتمعية، بالإضافة إلى تطبيق تقنيات الزراعة البيئية وإنتاج الخضراوات النظيفة في حديقة دالية.

 

نؤمن في دالية بأهمية التعاون والتشاركية لتحقيق الأثر المرجو من عملنا المجتمعي، ونسعى إلى بناء شراكات من شأنها دفع حراك الزراعة البيئية في الوطن وتبني مفهوم وقيم السيادة الغذائية الوطنية، ونعتبر عملنا تكاملي مع جميع الفئات الفاعلة في المجال، لذا ندعوكم لدفع العجلة سويا، نحو سيادة غذائية وطنية.