بقلم سجى الشامي
إن العمل في مجال التغيير الاجتماعي له تحدياته الخاصة، بالأخص مع فئة معينة. بالنسبة لي، أقوم بالعمل مع فئة الشباب وحشدهم للقيام بمشاريع اقتصادية (برنامج إبدأ الشبابي والذي هو بالشراكة مع مؤسسة دروسوس). عقبات كثيرة تعيق تحقيق هذا العمل، وهذا يشمل حتى أنماط التفكير. الشباب الفلسطيني يشعر بالإحباط، ويغتالهم شعور العجز. وعلاوة على ذلك، فإن عادات الاستهلاك تتجاوز الإنتاجية؛ كل هذه العوامل تزيد من التبعية وتعيق التقدم والإبداع والحافز لدفع التغيير الاجتماعي.
كل ذلك أيضاً يدفع بعض القيم المجتمعية على الاختفاء مثل العونة الفلسطينية، وما يتبع ذلك من اندثار لمبادئ التعاون والإنتاجية. على سبيل المثال، في السابق كان أهل بلدة نعلين يزرعون أراضيهم بالمحاصيل المختلفة على اختلاف المواسم، فقد كانوا يزرعون الصبر وأنواع متنوعة من الخضار. كانوا يعتمدون على الزراعة لمعيشتهم. لكن، تغير هذا الواقع مع امتلاء السوق المحلي بالمنتجات الإسرائيلية. في هذه الأيام، يميل الناس إلى الاستهلاك أكثر من الإنتاج، خاصة الجيل الجديد، وبهذا يتأثر اقتصادنا، ليس فقط في نعلين، بل في كل فلسطين.
ويعكس ذلك الواقع التحديات التي نواجها في عملنا. سواء من ما تم ذكره في التواصل مع الشباب، إيجاد الحافز لهم خاصة في ظل وجود تحدياتهم اليومية الخاصة، أو ببساطة تحديات الوصول لتلك المناطق. في إحدى المرات التي كنا بها على وشك الوصول للقيام بورشة في قرية بُدرس، علقت السيارة في حفرة بالشارع من سوء البنية التحتية، واضطررنا لأن يتم سحب السيارة من قبل جرّافة، تحت كثير من العواصف في ذلك اليوم الماطر، ثم نرتطم بعائق آخر ، وهو الخوف من عدم وجود مواصلات لتمكنني من الانتقال من رام الله إلى بيت لحم، بعد الانتهاء من الورشة، هذا ما هو إلا مثال عن تلك التحديات المعيقة للتنقل خاصة في الشتاء.
ولكن مع مرور الوقت في تنفيذ برنامج إبدأ الشبابي، نبدأ بلمس بذرة التغيير مع الشباب والشابات. وتصبح جميع هذه التحديات جزءا من التعب الجميل.
اقتباس من سامر الشريف- مدير مشروع في مؤسسة رواد التنمية ، الذين كان لهم الدور الأساسي لحشد الشباب بطاقاتهم، وتخصيص جزء كبير من عمل فريقهم في تنفيذ مبادرتي ابدأ الشبابي (سوق الناطوف في نعلين ومركز خدمات قبيا في قبيا):
"شكرا لجهودكم، إن برنامج إبدأ الشبابي، بلا شك، شجع وحفز الشباب. كلنا أمل بأن يكون هذا البرنامج مثال علاقة طويلة الأمد بيننا وبين مؤسسة دالية لدعم مبادرات الشباب والشابات".
شروق والتي هي جزء من فريق مؤسسة رواد التنمية، شابة من نعلين، خرجت مع مجموعة من الشباب بفكرة تشجيع ودعم المنتجات المحلية وإيجاد سوق لها، بالإضافة إلى تسليط الضوء على المواقع التاريخية في البلدة. قام الشباب بتنفيذ سوق الناطوف الأول، سوق موسمي لعرض منتجات المحلية لقرى غرب رام الله، في قلعة أثرية في البلدة. حيث قاموا باختبار البازار الأول لفحص مدى نجاحه.
وبالفعل، كانت التجربة الأولى ناجحة. وكان ذلك مذهلا كون البازار قد أُقيم به بشكل تطوعي، حيث تبرع الناس بالعناصر المختلفة للسوق مثل الأكشاك والطاولات، وتغطية السقف، ومساحة القلعة، والعديد من المواد اللوجستية الأخرى. كما حظي الناس بفرصة عرض منتجاتهم وبيعها، حتى أولئك الذين لم يبيعوا خلال البازار، تمكنوا من تسويق منتجاتهم في وقت لاحق. وكانت جميع مبادئ العونة، الإنتاجية، وإحياء الإرث الثقافي قد تجلت في مكان واحد اجتمعت فيه كل هذه المبادئ ذات يوم لتعود مرة أخرى. كانت طاقة الشباب جميلة. وقد لعبت شروق الدور الرئيسي لتحفيز وحشد الشباب والشابات. وكان أهل القرية والأطفال والنساء والرجال سعداء للغاية من السوق. وقد ظهر بعض من العادات التراثية القديمة مثل صناعة زيت البدودية، الكحلة المصنوعة من بذرة الزيتون، وغيرها الكثير. أما بالنسبة لي، فرؤية هذه الحيوية بين الشباب والشابات؛ نجاحهم وسعادتهم كانت ناقلة للفرحة بشكل كبير. كانت ثمرة التحديات الصعبة.
المصدر: لينا اسماعيل.
في هذا الشهر تم تنظيم هذا السوق مرة ثانية، في هذه المرة، مرً الشباب بظروف صعبة، وذلك بسبب مصاب أليم حل بالقرية، وهو وفاة أحد شبابها في مقتبل عمره. كان الحدث مؤلماً، وصدقا كنت أخشى أن لا نتمكن من تنظيم هذا البازار مرة ثانية. لكن وفي هذه المرة أثبت الشباب والشابات أنهم قادرون على تخطي هذه الظروف الصعبة. وقد كان النجاح للسوق هذه المرة بوجود جنود جُدد ممن عملوا بكل طاقتهم لإنجاحه، وتولدت معهم معانٍ كثيرة شعروا بها وعادت لتظهر من جديد، بكلمات بسيطة عبر هؤلاء الشباب والشابات عن انفسهم ليتحدثوا بأسلوب جميل عن القيم الجديدة التي نشأت في هذا السوق.
أم راوية أبلغتني عن فرحتها عندما قرأت كيف عبرت ابنتها عن نفسها ورأت كيف أصبحت نعلين جزء من هوية ابنتها التي كبرت خارج فلسطين. كبرت شروق و الشباب عاما وانجزوا أعواما أكبر، بقيت خططهم مستمرة للسوق في العام القادم. وخططهم لمشاريعهم الخاصة أيضا. تذكرت النقاش الذي دار مرة بيني وبين المجموعات الشبابية لاقناعهم بقدرتنا على النهوض بواقعنا والآن أصبح بإمكانهم أن يلمسوا ذلك بأنفسهم.
حجر صغير باستطاعته تحريك مياه بحيرة ماء راكدة.