مزاد التغيير الاجتماعي: بدعم من الشعب الفلسطيني

مزاد التغيير الاجتماعي: بدعم من الشعب الفلسطيني

 

بقلم رشا صنصور

الصور: أمين صائب

مع وجود ثلاثة أجهزة كمبيوتر محمولة على ظهري، وصلنا إلى الوجهة: مؤسسة عبد المحسن القطان، وذلك يوم الثلاثاء 3 ديسمبر، حيث عقدنا خلال الساعات القليلة القادمة أحد أكثر الأحداث إثارة التي أجريناها في مؤسسة دالية المجتمعية: مزاد التغيير الاجتماعي، وهو عبارة عن تمويل جماعي محي ومباشر لدعم حلول مجتمعية محلية. بمجرد وصولنا، كان الفريق في القطان داعماً للغاية. لقد انشغلنا بتجهيز العروض التقديمية ((powerpoint واختبارها وتشغيل الموسيقى وتهيئ القاعة. وصلت إحدى المبادرات المشاركة: فريق صنع التلسكوب من نوفا: وهي مجموعة شبابية تطوعية تتمثل مهمتها في نشر المعرفة الفلكية في جميع أنحاء فلسطين بين المدارس والجامعات والمجتمع. قامت رناد من هذا الفريق بالتدرب على عرضها، بينما قمت بالاتصال بجبر وفداء من غزة عبر الهاتف. (نعم، لا توجد حدود للتنمية المجتمعية الصامدة). ومبادرتهم باسم سينما المخيم تقوم على تقديم عروض سينما داخل مخيمات اللاجئين الفلسطيني في المنطقة الوسطى في قطاع غزة، حيث ستقدم المبادرة عروض سينما لأفلام كرتونية هادفة تسهم في زيادة معرفة الأطفال بمواضيع مختلفة مثل الحقوق والقيم الانسانية وتعزز مفاهيم العونة والمشاركة المجتمعية.

أبلغني كل من جبر وفداء أنهم مقطوعون عن الكهرباء في الوقت الحالي، لكنهم كانوا مستعدين ببطارية صغيرة يمكنها أن تدوم ساعتين وأنهم يستطيعون التواصل من خلال موجة الاتصال ال 3G. مع أخذ الوقت المتبقي للبطارية في الاعتبار، أخبرتهم أنني سوف أرسل لهم رسالة نصية عندما يأتي دورهم للعرض عبر تطبيق سكايب.

توافد الجمهور بحدود الساعة ٥:٣٠ مساءاً، وعلى وجوههم ابتسامات عريضة، لأنهم كانوا يعلمون اليوم أنهم سيحدثون فرقًا جماعيًا. أكلوا من المعجنات اللذيذة من قبل جمعية سيدات بربارة: ومبادرتهم مطبخ عابود، والتي دعموها في المزاد العام الماضي. كانت مبادرة الجمعية تتمحور حول إنشاء المطبخ المذكور أعلاه، لإدرار الدخل من أجل دعم والقيام بأنشطة مختلفة تستهدف المجتمع المحلي في القرية. لقد أثبتوا جميعاً كيف أن مشاركتهم في مزاد العام الماضي ساعدهم بالوصول إلى  عدد أكبر من الجماهير، كما تم توفير المواد والمعدات التي احتاجوها لتأسيس المطبخ و الوصول إلى ما هم عليه اليوم. ولقد جاءوا أيضًا اليوم لرد الجميل للمجتمع والتبرع لكلتا المبادرتين.

 

 

في تمام الساعة 6:00 مساءأ، قام عرفاء الحفل، جنبًا إلى جنب المتطوعين من مبادرة كتاب (والتي انبثقت فكرتها ضمن برنامج إبدأ المدارس وهدفهم هو جمع الكتب من جميع الأنواع لمختلف المؤسسات والتي تعمل مع أطفال بأعمار 3-18)، بالإضافة إلى فريق دالية الداعم، بتوجيه الحاضرين إلى القاعة.  بكلمة ترحيب حارة من المديرة التنفيذية الجديدة: مجد حموري، بدأ مزاد التغيير الاجتماعي، مع الفنان الكوميدي المتطوع جواد شلبي والذي أضحك الجميع حول تجاربه الشخصية في العيش مع إعاقة جسدية.

 

 

 

 

بعد ذلك، بدأت ريناد بعرضها: ستقوم المجموعة بتصنيع العديد من التلسكوبات محليًا، لنشر المعرفة الفلكية في فلسطين، وخاصة مع طلاب المدارس. ذكروا كيف أن أحد الأسباب التي توصلوا لهذا الحل هو أن الاحتلال الإسرائيلي يحجز التلسكوبات التي يطلبونها "لأسباب أمنية"، وأنهم اتصلوا بخبراء في هذا المجال لتوضيح لهم كيفية تصنيعها محلياً بتكلفة منخفضة نحو 700 شيقل (200 دولار) دولار أمريكي. كنت أراقب ردود أفعال الناس، وفي الوقت نفسه أكتب رسائل نصية لفداء وجابر لتحضير أنفسهم للتواصل، لاحظت أن الضيوف أُعجبوا بفكرة التلسكوب، خاصة الأطفال الذين انبهروا بشرائح العرض المرصعة بالنجوم.

 

 

 

لقد تم الاتصال بغزة، وأثناء تعديلهم للشاشة رأى الجمهور الحاضر البطارية المتوهجة في الخلفية والتي أضأت فقط غرفة المعيشة، مع باقي المنزل في الظلام. ثم قاموا بتثبيت الشاشة على أنفسهم وبدأوا بعرضهم. أوضحوا كيف أنهم قاموا بالسابق بإعداد سينما متنقلة في إحدى الليالي في الحي الذي يقيمون فيه، بعد مرور عام على العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014. كانوا يتوقعون حضور 10-15 طفلاً، لكن أكثر من 150 طفلاً حضر حيث شعروا بالسعادة وبالأمان. دفع هذا فداء وجبر إلى مواصلة هذه الفكرة للمستقبل، لتخفيف الصدمة النفسية التي يعاني منها الأطفال في غزة.

 

 

طلب عرفاء الحفل من أصحاب المبادرة بترك الغرفة، بينما فصلتُ الاتصال بغزة، لتتم عملية بدء التبرعات (الحد الأدنى للتبرع هو ٢٠ شيكل (٥ دولار أمريكي)).

تم تقديم أول تبرع من متبني المبادرتين، والذين هم أعضاء في لجنة مزاد التغيير، حيث تم تكوين اللجنة بشكل تطوعي في شهر أوكتوبر للمساعدة في اختيار المبادرات للمشاركة في الحدث، بالإضافة إلى توجيه وتدريب أصحاب المبادرات المختارة.

كانت هذه اللحظة الحاسمة! بدأنا بجمع التبرعات والدعم لمبادرة سينما المخيم. انتقل المتطوعون بين الأفراد الرافعين أياديهم بأوراق نقدية مختلفة الألوان. حين كان هناك فترات صمت، قام عرفاء الحفل (ببراعة) بتشجيع الحاضرين على التبرع بالمزيد. ثم أكملنا جمع التبرعات لفريق صنع التلسكوبات. وهنا أيضاً، نادى الجمهور المتطوعين لكي يلتقطوا تبرعاتهم. وعند عودتهم اتجاهي، عبر أحدهم عن مدى سعادته رؤية الأوراق والنقود المالية تتساقط في عبوات التبرعات.   

 

 

 

 

 

 

ثم بدأت الإثارة الحقيقية. فقامت رانيه يونس، المسؤولة المالية في مؤسسة دالية، أو التي أحب تسميتها: الآلة الحاسبة، في عد الأموال. كان لديها أسلوب جميل في جذب انتباه الجمهور. فعند عدٍ لكل ألف (شيقل) كانوا يصفقون ويهتفون وهم مندهشون، في البداية هدفت مبادرة سينما المخيم بالحصول على 4000 شيكل (1150 دولارًا أمريكيًا)، ولكن بدلاً من ذلك، حصلوا على 8270 شيكل (2378 دولارًا أمريكيًا). أما بالنسبة إلى نوف وفريق صنع التلسكوب، فقد حصلوا على 5670 شيكل جديد (1630 دولار أمريكي) وهنا أيضاً أكثر مما كان متوقعاً. بعد هذا الحدث والدعم المجتمعي، سيستطيعون الآن تنفيذ مبادراتهم.

 

 

 

 

شكرنا جميع الحاضرون لتبرعاتهم السخية.  وأخبرني كثير منهم بمدى شعورهم بالفخر لدعم المبادرات بأموالهم الخاصة. كان هذا أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لي، لأن عقوداً من المساعدات الخارجية في فلسطين، أعادت توجيه أولوياتنا لتتناسب مع أجندة التنمية العالمية، دون مراعاة احتياجاتنا الخاصة. لقد اعتاد الناس انتظار منحة كبيرة، لا تستهدف بالضرورة احتياجاتهم الخاصة، أو تقدم حلولًا محلية، فقط من أجل تنفيذ مشاريع. مع هذا المزاد، تمكنت دالية من تذكير الجميع، أنه مع أدنى حد من الموارد لا يزال بإمكاننا تحقيق احتياجاتنا، وقبل كل شيء بدعم بعضنا البعض. هذا ليس مفهوما جديدا لنا، وهذا ما نعرفه باسم العونة. نحن في دالية نأخذه هذا المفهوم ونعيد إحياؤه ونطبقه على السياق الحالي الذي نعيش فيه.

 

شعرت بأنني خرجت بجلسة تمارين رياضية للوجه من كثرة الابتسام خلال الساعتين.

نعم، أنا فخورة بأن أقول إن مزاد التغيير الاجتماعي بتمويل الشعب الفلسطيني.